هجوم في وضح النهار على اكثر خطوط التحصينات الصهيونية تطورا.. لم تترك الصدمة فرصة للعدو لالتقاط انفاسه طيلة ساعات المعركة الاولى حيث استطاعت المقاومة ان تحقق اهدافها كاملة وتسيطر على المستوطنات وتلحق بالعدو هزيمة معنوية وامنية نوعية..
في ذكرى اجتياز الجندي العربي خط بارليف وفي حمى الانتشاء الصهيوني في ظل هرولة المطبعين بزغ فجر جديد باجتياز المقاومة الفلسطينية خطوط الدفاع الصهيونية في غلاف غزة.. في ساعات قليلة تمكن المقاتلون الفلسطينيون من السيطرة على مستوطنات غلاف غزة وعلى مركز قيادة القوات الصهيونية وأوقعوا في الجيش الاسرائيلي خسائر فادحة واسر قيادات عسكرية عالية وجنود ومستوطنين فكان يوم لم يسبق للكيان الصهيوني الذي لازال في وقع الصدمة والذل.
طبيعة الهجوم الفلسطيني:
الجيش الذي يتباهى بقدراته وخبراته الفائقة وبالامكانات المتطورة على صعيد التكنلوجيا يتلقى ضربة استراتيجية كان عنصرها الاساسي المفاجأة النوعية في أكثر من مستوى في الاداء والمقاربة العسكرية فلقد تميزت العملية العسكرية الفلسطينية الاخيرة بنوعية وكمية واختيارات دقيقة للأهداف المفاجئة المباغثة للاجهزة الامنية بل لعل المقاومة الفلسطينية ارسلت رسائل متتالية بالتزامها بهدنة والبحث عن حلول معيشية لسكان قطاع غزة واستمر اعدادها للحظة مخادعة لاجهزة امن العدو.. ولقد اعتقدت اجهزة امن العدو ان اكتشافها لكثير من الانفاق تحت الارض فكانت المفاجأة الصاعقة عندما شنت المقاومة الفلسطينية هجوما واسعا على طول حدود قطاع غزة ووضعت أمام عينها هدفين مركزيين الاول هو موقع كرم ابوسالم جنوب قطاع غزة حيث ثكنة عسكرية محصنة تعتبر موقعا أمنيا يراقب الوضع في غزة وفي سيناء وفيه معبر تجاري تحوطه معسكرات جيش مزود بدبابات ومدرعات وتحصينات باهضة الثمن.. والهدف الاخر هو موقع ايرز الواقع في شمال قطاع غزة والذي يتمتع بتحصينات قوية ويمارس من خلاله عدة مهمات على راسها امنية حيث تشرف غرف عمليات امنية في الموقع على الاختراق والتجسس في قطاع غزة.
جعلت المقاومة الفلسطينية امامها هدف القضاء على الموقعين الاستراتيجيين للاحتلال الصهيوني وقد تمكن الفدائيون الفلسطينيون من اقتحام الموقعين بسرعة خطافة وطهروه من الجنود والضباط الذين وقعوا جميعا بين القتل والاسر فكانت تلك الصدمة التي اوقعت بشبكة الدفاع الصهيونية في احباط بالغ مهد للهجوم الواسع على مستوطنات غلاف غزة وتمكن المقاتلون الفلسطينيين فتح 25 جبهة قتال والسيطرة التامة على عشر مستوطنات صهيونية وجلب اسرى بالعشرات من ضباط وجنود الجيش الاسرائيلي.. وقد تمكن المقاتلون الفلسطينيون التوغل في الارض الفلسطينية المحتلة الى اكثر من 25 كيلومتر.
وقد تم هذا الهجوم بمراحله وخطواته في ظل قيام وحدة الصواريخ باطلاق اكثر من 3000 صاروخ هزت الكيان الصهيوني في اعصابه وكيانه الامني في القدس وتل ابيب وعسقلان وبئر السبع فاضطرت الادارة الصهيونية لتعطيل مناشط الحياة في ظل حالة طواريء ولجوء ملايين اليهود الى الملاجيء.. وايقاف حركة الطيران واغلاق المطارات.
اظهر الفدائيون الفلسطينيون تجانس في ادواتهم بروح وعزيمة احدثت الفارق الجوهري في المعركة.. وعلى مدار يوم كامل حيث لازالت المعركة مستمرة اثبتت المقاومة الفلسطينية انه بامكانها تحرير جزء من الارض.
العملية العسكرية استجابة:
لقد عملت اسرائيل على فرض وقائع على الارض في المسجد الاقصى والحرم الابراهيمي والقدس والضفة الغربية حيث سلكت الادارة الصهيونية بمنهجية متصاعدة للاستيلاء على مساكن المقدسيين واستيطان الارض وطرد اهلها واقامة الجدران العازلة بين سكان القرى وارضهم بل وصل الامر الى القيام بعمل منظم يوميا من قبل المستوطنين في اجتياح القرى وتدمير الاشجار والمزروعات..
وفي ظل هدنة ظنها العدو واقعا الزمت به المقاومة في غزة لرفع الحصار وتخفيف الضغط على الناس في القطاع المحاصر وفي واقع ظنه العدو ان المسألة فقط هي مسألة وقت لابتلاع كل فلسطين وتصاعد الكلام الصهيوني عن مخطط القاء الفلسطينيين خارج الضفة الغربية بعد تقطيعها بطرق التفافية وجعل مدنها حالات من الغيتو حول الشعب الفلسطيني الى كانتونات عنصرية ابارتيد تمارس عليه الادارة الصهيونية سيادة كاملة ستصل الى حد انهاء الحرم الابراهيم والمسجد الاقصى فيكفي الاشارة الا انه في 100 يوم خلال السنة الاخيرة منع المسلمون من اداء الصلاة في المسجد الاقصى وكذلك الحرم الابراهيمي بالخليل.
المواقف العربية والدولية:
استفاد الاسرائيليون من الانشغال الدولي بقضية اوكرانيا ومضاعفاتها حيث ان الدول الاروبية وامريكا انخرطت تماما في المعركة سياسيا وامنيا وماليا واصبح من الضرورة لهم كسر روسيا وتفسيخها والقائها على هامش الحراك السياسي والقرار الدولي .. استفاد العدو من هذا المناخ الدولي فاعطى ظهره لكل الاتفاقيات الامنية والسياسية مع السلطة الفلسطينية واصر على اهانتها وتحويلها الى مستخدم امني لدى القرار الامني الصهيوني.. جاء هذا الفصل الاول الخطير في المعركة فأفرز واقعا سيتشكل بلاشك في الايام القادمة ولن تقبل اسرائيل ككل استعمار ان يتسلم الرسالة من الفصل الاول بل لابد له ان يسير نحو المعركة حتى نهايتها ..
الغريب ان المواقف العربية نكاد لا نتحسس موقفا رسميا واحدا في مستوى الفعل الفلسطيني المتميز رغم أن هذا العمل الفدائي جاء على إثر الانتهاكات الصهيونية المتكررة على المسجد الاقصى والحرم الابراهيمي وعلى قرى ومدن الضفة الغربية في هجمة استيطانية تهويدية جنونية..
جاءت بعض تصريحات الرسمية العربية داعية لضبط النفس وايقاف حدة الصراع.. في حين اسرعت امريكا وفرنسا الى ادانة الشعب الفلسطيني ومقاومته والاعلان عن دعم غير محدود للكيان الصهيوني فجاءت التصريحات الامريكية من أكثر من مستوى سياسي وأمني تدين العملية.
كانت الصدمة واضحة على كثير من الدول العربية التي سارت خطوات بعيدة في التطبيع مع العدو علنا أو سرا.. الا أن الحدث لم يتمكن أحد من تهميشه أو النظر اليه سريعا بعيدا عن تأثيراته في الاقليم وما سيكون بعده من مفاجآت.
المواقف العربية والدولية فوجئت لان معظمها كان قد ظن أن الفلسطينيين أصيبوا في في يقينهم فأحبطتهم الوان الحصار والضغوط الرسمية العربية التي مارست تعميم روح الهزيمة وتخلق واقع التطبيع مع العدو الصهيوني.
فوجئت هذه الأنظمة والدول الغربية فاما انها لجأت الى الخرس والبكم او توجهت الى التشكيك في المقاومة وتهميش فعلها او التهجم عليها واعلان الموقف الداعم للكيان الصهيوني.. لقد انخرطت جميعا في مواقف تعبر عن الصدمة وتشويش الرؤية.
الفلسطينيون وحدهم:
صحيح انه على صعيد المشاعر والعواطف ينال الفلسطينيون من العرب والمسلمين والاحرار في العالم فسط وافر كاف بلا شك ولكن تعطيل فاعلية هذه المشاعر والعواطف بسبب جبن الانظمة وخوف حكامها على كراسيهم تاركين مقدساتهم وغرة ارضهم المباركة فلسطين وحدها في المعركة.. فهل يعقل أن يتيبس الموقف الرسمي العربي ولاينطق أحد بدعم فلسطين ومقاومتها؟ هل يعقل أن يترك الفلسطينيون وحدهم؟ اليسوا هم من يدافع عن مقدسات الامة وكرامتها والارض المباركة؟
هذا هو الواقع ولكن لابد من التأكيد على أن الفلسطينيين هم وحدهم من يمتلك القنديل وان دمهم الزكي الطاهر هو من سيشعل القنديل.. وان الامة كلها ترقب صمودهم وعبقريتهم لكي يطوروا اداءهم وينتقلوا نقلات نوعية في المقاومة..
الفلسطينيون يملكون من اليقين واللياقة والقدرة دوما ان يتحركوا في اصعب الظروف واكثر قسوة فهاهم من سجن الحصار الذي يفرضه العدو والاخ هاهم ينبعثون في واحدة من اعظم مواجهات الامة لصد العدوان العنصري المدجج بالجريمة والسلاح.
لم تنته الجولة بعد وايا كانت نتائجها فان المقاومة الفلسطينية قد تمكنت من نقل المعركة الى مكان اخر .. فهاهم المقاتلون الفلسطينيون يجعلون من ارض فلسطين التاريخية ساحة اشتباك.. ولازالت المعركة مستمرة تلقي على العدو تحديات فكل دقيقة تمر على العدو فيما المقاتلون في العمق الفلسطيني انما هي بمثابة انكسار روحي وسياسي وامني للمؤسسة الصهيونية.
بعد الان لن تكون القدس في ضرر وخوف وستكون الخطوط الحمر الفلسطينية ذات جدوى مكهربة بحقول متفجرة في وجه كل من يحاول الاساءة للمقدسات وللشعب الفلسطيني والارض الفلسطينية..
لن تتوقف الجولة اليوم فهذه جولة سترسم معالم المرحلة القادمة ولن يزيد العدو في قصفه للشعب الفلسطيني في غزة اي معطى جديد بل سيستمر الهجوم الفلسطيني وان قدرة الفلسطينيين على احداث التغيير في الاداء انما هو خطوة كبيرة على طريق التحرير .
انه طوفان الاقصى عنوان جديد للمقاومة الفلسطينية وانه بلاشك سيكون بداية لتاريخ مقاومة فلسطينية تستعيد المبادرة وفرض وقائع جديدة والانتقال بها الى تراكم الاهداف وخلق مناخات مواتية لتحرير الموقف الرسمي العربي من الضعف وبعث الحياة في النخب العربي والاسلامية.