صالح عوض
يتسرع من يظن أن رفع العقوبات جزئيا عن إيران بداية لرفع الحصار عنها !!؟ ما علاقة فلسطين بالمدمرات في الخليج وبنفط العرب؟ اللقاءات السعودية الايرانية هل هي علاقات الحاجة المؤقتة أم الرؤية الإستراتيجية؟ أم أن كل ما يجري في المنطقة انما هي مناورات بالذخيرة الحية وما يخطط هو الأخطر؟
في واحدة لعلها الأهم حساسية وخطورة تتجلي ساحة الدول المحيطة بالخليج العربي رمزا وواقعا للتنازع بين أطراف إقليمية وطموحات سياسية وإستراتيجية دولية، لا تهدأ معركة في أرجائه حتى تدق الطبول لحرب جديدة، كيف لا وهو من أخطر الممرات المائية حساسية تعبره سفن تحمل خمس البترول العالمي متدفقا نحو مصانع ومنشآت الغرب والشرق.. في بحر عمان ومضيق هرمز ومياه الخليج الضيق المنتهي بالبصرة تحتشد المدمرات والبوارج الحربية والسفن والطرادات وفي كل مرة يقترب البنزين من النار يتسارع الكثيرون لتجنب الانفجار الذي يهدد مصالح جميع الأطراف المحلية والدولية لاسيما في مرحلة يمارس البترول الروسي ضغطه على السوق العالمي.. فإلى متى يظل الوضع تحت السيطرة؟
الخليج موقع الاشتباك المستمر:
في الحديث عن الخليج وقضاياه يبدو ان الحقائق تحتاج نظرة مركزة لتاريخ المنطقة على الأقل منذ مطلع القرن العشرين حيث بدأت الأرض في العراق -ومن ثم كل محيط الخليج- تفيض بالذهب الأسود الذي سيكون المادة الاساس للتطور الاقتصادي الغربي، وكيف كان هذا الدافع عنصرا أساسيا في التوجه الغربي للسيطرة على المنطقة، وربط التحولات فيها بجملة الأهداف الإستراتيجية الدولية على اعتبار الارتباط العضوي بين المصالح الكبرى للدول الغربية وطبيعة النظام القائم، والسياسات الاقتصادية في المنطقة ومن هنا كان حرص الغرب على حماية القاعدة الاستعمارية المتقدمة الكيان الصهيوني والتي ترافق إنشاؤها مع اكتشاف النفط في المنطقة.. ولعل هذه الجملة تفسر لنا كل الأزمات والحروب والتوترات في الإقليم وتشير بوضوح الى بواعثها..
هنا يتقدم الجيوبولتيك ليفسر كل الأحداث التي حصلت او تلك التي تكتنزها المنطقة في الأيام القادمة وهي مرتبطة بلاشك بتطورات دولية على صعيد رسم الخرائط السياسية وتوزيع مناطق النفوذ ولهذا كان على أهل الإقليم دفع أثمان مضاعفة لأنهم يدفعون ثمن الجشع الغربي من جهة وثمن الحروب بين الكبار من جهة أخرى.. فخلق الغربيون في المنطقة قضايا الصراع الداخلي القائم على التنوع الاثني العرقي والطائفي فكانت حرب الاكراد ضد العراق عشرات السنين والتي توقفت مرحليا باتفاق الجزائر بين العراق وايران في 1975 وبعد ذلك انطلقت الحرب العراقية الايرانية التي لايمكن اغفال دور الغواية الغربية فيها واستمرت لاستنزاف البلدين ولتدمير قدراتهما المالية والسيطرة على النفط بابخس الاثمان ولم تنته الحرب حتى انطلقت حرب جديدة باغراء غربي حيث نصب الفخ الكويتي للعراق لتكون الحرب مباشرة بين الامريكان ومعهم دول غربية عديدة ضد العراق وانتهت باحتلاله.
بانوراما المشهد:
من الواضح ان هناك رمال متحركة في الإقليم بخصوص السياسات والتوجهات الاقتصادية للدول وتحركها في علاقاتها الدولية،ورغم ان العراق أصبح مستباحا حتى الآن على أكثر من صعيد إلا ان المنطقة تأخذ في التململ لترسم معالم واقع سياسي جديد، ومن الواضح أن لا أحد يستطيع الادعاء بأن الأمور انتهت لصالحه رغم المكاسب الجزئية التي حققها، هناك جملة معطيات ووقائع في المشهد الإقليمي لكل منها علاقة بالآخر.. وإنها جميعا تتصاعد للتلاقي وصولا لنقطة الصدام الحقيقي او الوهمي من أجل المفاوضات وتحسين شروطها بين إيران والأمريكان او نقطة صدام محتملة بين ايران ومحورها من جهة والكويت والسعودية من جهة أخرى فأين سيكون موقع العراق -مهيض الجناح والمستباح- حتى الان على المستوى الرسمي، وبقية دول الجزيرة العربية؟ تبدو الإشارات واضحة لكثير من السيناريوهات والتي لا تتوقف الإدارات الغربية على احدها إنما هو القراءات المستمرة لانتخاب الأكثر فاعلية منها حسب المعطيات والأهداف المتجددة.
تؤكد السعودية والكويت ملكيتهما الخالصة الحصرية لحقل الدرة في الخليج العربي فيما تهدد إيران بأنها ستواصل التنقيب في الحقل النفطي.
تقيم القوات الايرانية احتفالات عسكرية في جزيرة أبو موسى مؤكدة على ملكيتها النهائية للجزر الخليجية أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى.
السلطات السعودية والكويتية والإماراتية تدعو رعايها للمغادرة من لبنان خوف مضاعفات امنية.. ومن هو مصدر القلق لهم في لبنان ان لم يكن حزب الله في حال صدام مع ايران؟
في البصرة تتحرك مظاهرات صاخبة مناهضة للكويت في ازمة هي الاولى منذ الغزو الامريكي للعراق.. والحديث عن مساحات من الشاطئ في ام قصر وما الى ذلك
أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، عن نشر قوات إضافية في الشرق الأوسط منها الآلاف من عناصر مشاة البحرية (المارينز) ردا على المحاولات الإيرانية الأخيرة للاستيلاء على سفن شحن تجارية.
ويأتي هذا القرار الامريكي بعد أن قالت الوزارة، في وقت سابق من هذا الأسبوع، إنها سترسل طائرات مقاتلة من طراز F-35 و F-16 إلى الشرق الأوسط، بالإضافة إلى المدمرة USS Thomas Hudner.. وهذه المدمرة حلت بالمنطقة 3 مرات ترافقت كل مرة مع حرب اقليمية كبيرة اخرها الغزو الامريكي للعراق.
وقال المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني العميد رمضان شريف: “نشكر الله أن إيران وصلت إلى مستوى من القوة يمكننا مواجهة كل عمل أمريكي وأذى، مثل الاستيلاء على السفن، والرد بالمثل بالاستيلاء على سفنهم”، بحسب وكالة أنباء فارس الحكومية.
ترى هل هناك ما يفيد بان العلاقات الايرانية السعودية تمر في منعرج خطير وانتكاسة حقيقية؟لاسيما بعد تعطل تبادل السفراء حسب ماتم الاتفاق عليه سابقا؟ وهل يؤدي ذلك الى تفجير ساحات اخرى مثل اليمن وهل تبدا المسيرات الحوثية في التحليق في سماء السعودية من جديد والتي توقفت بعد المصالحة السعودية الايرانية؟
هل سيتحرك حزب الله اللبناني بشد الانتباه الى ساحة اكثر سخونة وهل الرد الاسرائيلي العنيف والصارخ على لسان وزير الحرب الاسرائيلي اليوم يعبر عن ادراك اسرائيلي بهذا التوجه لدى الحزب.
النفط وفلسطين من جديد:
منذ أكثر من قرن تلتحم القضية الفلسطينية بقضية النفط العربي التحاما عضويا على اعتبار ان السيطرة عليهما جاءت نتيجة طبيعية للتجزئة السياسية والتبعية السياسية والاقتصادية التي اصبحت واقعا عربيا رسميا.. وأصبح من العبث تناول أحدهما دون الأخر فاسرائيل ضرورة حيوية واستراتيجية لشركات النفط العملاقة فعليها تقع المسؤولية الامنية لاختراق المنطقة واستنزافها وتدجينها مع الهزيمة والتخلف..
وفي تعامل الغربيين مع الملفين تتضح دهاليز السياسة والامن واساليب جنونية شيطانية لا تخطر على بال بشر فكل من حاول فك الارتباط مع قانون التبعية من حكام العرب يتم تصفيته او قلته او شطنته وكل من حاول تبني القضية الفلسطينية من حكام العرب او قادة فلسطين يتم تصفيته سما او حرقا او اغتيالا..
ومن الواضح تماما ان الادارات الاستعمارية وصناع القرار الدولي لا مرجعية لهم الا الربح والاستنفاذ التام لثروات البلاد العربية ومن هنا بالضبط يجب فهم المشاريع السياسية والمبادرات التي تتقدم بها المؤسسات الغربية نحو المستوى السياسي العربي انها مزيد من التضليل والارباك والفوضى.
هذا الكلام ليس نظريا بل هو استنتاج لما يجري في بلادنا العربية منذ قرن على الاقل.. فلم تمن حرب ايران العراق ولا حرب امريكا العراق ولا كثير من تحريك الربيع العربي ولا كثير من الاحتراب الداخلي في البلد العربي الا من اجل هدفين اثنين الاول حماية اسرائيل وتفوقها الاستراتيجي والثاني نهب الثروات واستنزاف الدول العربية.
وفي اطار هذا السياق الاستارتيجي يتم ذر الرماد في العيون بشعارات التطبيع والسلام وحقوق الانسان والديمقراطية والحريات السياسية والاجتماعية في بلداننا وبنظرة سريعة يمكن اكتشاف ان الامر لا يعدو ان يكون غطاء يغطي بشاعة ما يتم تخطيطه وتنفيذه في بلادنا.
وللاسف يكون كل اطراف المنطقة وقعت في الفخ الغربي.. الظالم والمظلوم سواء.. العراق وايران، كما الكويت والعراق.. والحوثي واهل اليمن، والنظام السوري والمعارضة، كل اطراف المكونات السياسية وقعت في الفخ ومارست كما يريد صناع المخطط وبدقة.
ان اللاعب الدولي كبير وقوي ويمتلك اوراق قوة عديدة منها النخب التغريبية والليبرالية في مجتمعاتنا والتي تحاول تبريد حمى الصراع مع المشاريع الغربية وتقدم الاستعمار على طبق وردي مخفية عميق ازماته وشروره.. ويتحرك اللاعب الدولي الذي وصل الان الى قمة التسيد على العالم في صناعة حروب او تفسيخ الاثنيات واثارة الفتن ويجهز لكل حرب ادواتها من خلال طوابير المستشرقين واتباعهم من بين جلدتنا.
وفي هذه الحرب المنظمة او الفوضى الخلاقة المعدة باتقان وببرامج متتالية تدخل منطقتنا العربية في صراعات بينية بين دولة واخرى او داخل المجتمع الواحد ولعل التصارع احيانا حول الهوية الثقافية في بلد من بلداننا يكشف الى اي مدى يتم استخفافنا وابعادنا عن معركة التهضة الحقيقية.. والهدف من ذلك واضح تماما.
الأوضاع في أوكرانيا وإفريقيا والمنطقة:
بلاشك هناك علاقة عضوية بين ما يجري في الأزمة الأوكرانية والتطورات التحررية في غرب افريقيا وما يجري في منطقتنا العربية.. هناك خوف أمريكي غربي حقيقي من احتمال انكسار التفرد الغربي في التسيد على العالم ولكن ايضا هناك محاولة التقاط أنفاس في المنطقة وفي إفريقيا للتحرك خارج المسرح المعد من قبل اللاعب الدولي.
ما يجري من اعادة النظام السوري للجامعة العربية وما يتم من تواصلات بين السعودية وايران وما يتم من تخفيف حالة الصراع في اليمن وما يتم على صعيد التطبيع من تراجع واضح.. وما نشاهده من تحصين الدول العربية السعودية والجزائر ومصر بجيوش وتجهيز متطور وما نلمسه من مواقف عربية مهمة إزاء الازمة الاوكرانية والحراك الافريقي يعني ان المستوى السياسي العربي بدأ يتلمس طريق الانعتاق من السطوة الامريكية الفرنسية ولو ببطء.
ان اللاعب الدولي وكل أدواته يمر بأزمة وجودية في ظل الحرب الأوكرانية والحراك الافريقي وواضح ان هناك لاعبين أربعة يتنافسون على المسرح الدولي النظام الدولي العالمي وروسيا والصين والإسلام.. ولعل الإسلام والعرب مركزه هم الأكثر امتلاكا لمبررات المستقبل فلقد وصل النظام الدولي العالمي الى ذروته وهو يتلقى ضربات في أكثر من مكان ولعل الحرب الروسية طويلة النفس تلحق به الأضرار الكافية لرفع سطوته عن بلادنا العربية كما ان القومية الروسية والشيوعية الصينية لا يمتلكان مبررات ولا وسائل كافية لفرض الهيمنة على العالم..
رغم هذا كله فلن يكون مؤتمنا الحديث عن الانهيار الاستعماري حالا بل لابد من يقظة في مرحلة خساراته لان ضرباته في مثل هذه الحال تكون كجنون الذئب الجريح.. فتصبح الدبلوماسية والخطاب السياسي الهادئ والعمل الرصين ويصبح مزيد من التعاون والتكامل والتجارة البينية وتقوية مشاريع النهضة والجيوش واليقظة وتواصل بيني ببيني بين الدول العربية والإسلامية وتجاوز الحزازيات التي صنعها الاستعمار كل ذلك مطلوب في هذه المرحلة الحرجة لتقليل الخسائر وتوفير التضحيات والمستقبل حتما للامة ومنهجها الإنساني بعد شقوة البشرية بمناهج الاستحواذ والإفساد والتخريب.